المغفل
قصة قصيرة – عدي المختار
اختار ذلك الرجل المغامر الذي يمتلك أموالا لا تعد ولا تحصى، أن يعيش يوما للتسول،ارتدى ملابس رثة، وعصب رأسه بقطعة قماش بالية، واختار أيضا أن يتحفى، ولهذه التجربة مكاسب في قرارة نفسه . أولها أن يعيش حياة المتسولين ومتاعبهم، والثانية ان يطلع عما يجنونه من مال .
اتخذ من قارعة الرصيف مكانا له، تعثرت كلماته في طلب المعونة في بادئ الأمر، لكنه سرعان ما أعتاد عليها لما رآه من عطاء المارة على المتسولين، فكانت كلماته تخرج برنين وموسيقى، تعاطف معه الكثيرون، وقبل غروب الشمس، مر عليه متسول أخر، سلم عليه، قبله المتسول وبكى لحالته،وندب الحظ والقدر، استغرب الرجل المغامر هذا الأمر،وقال في سره
- ربما أني أشبه متسولا يعرفه هو .......فقال له .
- أتعرفني ؟؟؟
المتسول وهو يهم بالجلوس لجانبه وبهمس قال له .
- نعم . كيف لا أعرفك وأنت السيد النبيل في هذه المدينة !!!!
حاول الرجل المغامر ان يستعيد شيئا من كبرياءه وهو يقول له بابتسامه غيرت معالم وجهه .
- كيف عرفتني أيها المتسول اللعين ؟؟
نظر له المتسول نظرة احتقار وامتعاض وأجاب
- لا تقل متسولا فكلانا ... متسولان .. كان الأجدر بك أن تفعل مثلي . تخلع كل ما يميزك .
وضع الرجل المغامر يده على كتف المتسول لارضاءه قائلا .
- عذرا ....لم اقصد أهانتك ...لكن ماذا تقصد بكلامك عن خلع كل ما يميزني .
ضحك المتسول بصوت عال جدا .. وقال له ..
- أنا اخلع خواتمي وأنت تلبس خواتمك وساعتك اليدوية .. وهذا غير منطقي وغير مألوف لهيئة المتسول.. إلا أذا كان المتسول نبيلا مثلك سيدي ... والقانون لا يحمي المغفلين ..
اخرج المتسول من جيبه شيئا، قيد به معصم الرجل المغامر، واقتاده لأقرب نقطة شرطة، اتضح فيما بعد انه لم يكن متسولا بل انه ضابط في شرطة النصب والاحتيال، وحينما عرف الرجل المغامر بمنصب زميله المتسول علق قائلا .
حقا أنها مهنة لا تحتضن المغفلين ...
ربيع 1999