صباحات مفخخة
أغلق باب الدار بهدوء وحذر كي لا يوقظ جياعه ,تنهد بألف حسرة وآه ,مرة على نومة لم يتمها حتى مطلع الفجر ,ومرة على طفولته التي لم يهنئ بها, شق طريقه مع أول نسائم الفجر في طرقات لا تلوح منها نهايات الظلمة أبدا بحثا عن ما يسد به رمق جياعه,....
جياعه الذين يكبرونه سنا ويقلون عنه عفة وهمة,إلا أن دموع الحاجة التي كانت تجتاح أمه الكفيفة جراء مقتل أبيه الغامض كان يدفعه للعمل كي يكفف دموع حاجتها .
شق ظلمة الأزقة بخطوات يجرها النعاس تارة ويوقظها الحرص والحيرة تارة أخرى, راح يبحث عن ما سقط سهوا من ملذات تلك القبور الشاهقة لأحياء لا تسمع منهم في الليل سوى شخير الأجساد الميتة عن الشعور بيقظة هذا أو صحوة ذاك .
كأي فأر أو هر صغير راح ينبش تلك الفضلات ...دار ..دار .... وزقاق ...زقاق ....ابتسم ابتسامة عريضة وهو يتجول بين الأزقة لأنه قال في سره .
آه .... لو يعلم ذاك القرقوز بحالي لقال انه ينبش في ...زنكة ....زنكة .....
ثم ضحك وتدارك ضحكته ولملمها بوجهه كأي ليل يلملم ظلامه ويصافح الفجر,إلا انه وجد ما يريد تماما,وقبل أن يهنأ به , ذهبت آماله أدراج نومته التي لم يهنأ بها,ثمة بركان ينفلق تماما كالانفلاق الذي كان يسترق النظر اليها من ثقب جدار بيته المتهرئ عبر تلفاز الجار ابو سعد جريح الحرب المتقاعد والذي كان تعلوه كآبة ويتمتم بغضب كلما رآها ويلعن تمثال الحرية ويترحم على (نكازاكي) ومن فيها .
ولم يكن يسترق النظر لهذا الأمر فحسب عبر ذلك الثقب بل كان يسترق النظر على الألعاب التي كان يلعب بها أبناء الجار ولم يلمسها هو في يوم من الأيام حتى .
يلعبون هم ويبكي هو خلسة عبر ذلك الثقب الصغير على أيام اللعب الجميل التي لم يعشها وهو يعتلي سلم العمر نحو الكبر مبكرا ......
إلا انه كان يواظب لا بل يطيل النظر دائما لذلك الانفلاق الضخم وفي رأسه الصغير كان ألف سؤال ...................
صوت هز سكون الفجر المخيف , غبار محمل بالرصاص ينفلق من كل مكان صوب كل مكان , لم يجد أحدا ممن تجمعوا حوله شيء منه سوى بقايا ما كان يبحث عنه يوميا بجد وإخلاص ...بقايا علبة الكوكولا المتفحمة .
ربيع 2011