عنيد
قصة قصيرة – عدي المختار
عبر تلك الطرقات المتموجة بالناس،المطرزة بألوان قوس قزح، مكونة لوحة اختلطت فيها أنواع الفراش في بستان غير منتظم،سرت انظر عبر زجاج المحلات عما هو جميل،لاشتري ما أحتاجه ومالا احتاجه أيضا،المهم أن أعود ويراني الجميع وأنا محملة بالكثير من الأكياس علهم يغارون أو انتقم منهم لأني طالما اسمعهم يهمسون فيما بينهم وينعتوني بالعانس،ثلاث رجال رفضتهم،الأول ضابط شرطة تخيلته بأنه سيطبق عليّ وعلى أولادي كل صباح التعداد العسكري فرفضته،ومعلم خفت ان يحيل باحة الدار فيما بعد الى مدرسة للدروس الخصوصية فرفضته،وشيخ عشيرة اختلفت الروايات عن صحة زعامته والحمد الله اكتشفت قبل الخطبة انه شيخ من شيوخ (التسعينيات) فرفضته كي لا أنجب له أطفالا يعلمهم الانتهازية فيكونون وبالا على المجتمع .
السوق ضجيج لا يهدأ،ودبيب المارة لا يستكين،إلا سوق بنات حواء الذي يطلق عليه (سوق البنات) فان الهدوء يحفه من كل مكان لان رواده الفتيات والنساء فقط وتصدح من واجهات الزجاج في تلك المحلات أغان لمطربات الدلع الماجن كا.....أليسا ونانسي وهيفا مثلا، وأما الباعة فبعضهم رجال بهندام بآخر صيحات الموضة أو نساء لا يكترثن للأعراف السائدة،تفكيرهن عملي وأدائهن متحضر حد التحرر، ووسط تلك النشوة والمتعة التي اعترتني وأنا أتبختر بين المحال والباعة ...الباعة فقط ......لا محال النساء،لأني اعشق التغزل العذري،قرأته في طفولتي أيام عشق بثينا وجميل وعنتر وعبلة أو ما سمعته عن ما فاق ذلك كله عن عشق نعيمة وحسن، فيباغتني البائع الجميل بكلمة فأرد بأحسن منها .
أحسست ان ثمة من يراقبني، أدرت وجهي يمينا ويسارا إلا أني لم استدل إلى تلك النظرات التي تشعر بها روحي ولا ترها عيوني، نظرات تمد جسدي بشحنات من الهيام،وتعتريني القشعريرة تارة ...تفحصت كل الواجهات أمامي وعلى جانبي وكل الوجوه ...بحثت ...وبحثت دون جدوى .... ولكن أين هو ...؟؟؟لا ادري،هدأت لا تمالك قشعريرة جسدي واستعيد قواي ....أدرت وجهي مرة أخرى يمينا ويسار لكن بلا فائدة،لملمت قواي واستدركت نفسي،ورحت أتفحص المكان بشكل أكثر دقة،..........آها ........رايته، .....................،
خلف زجاج ذلك المحل قبالة المحل الذي أنا فيه .....كان ينظر ألي بدهشة، أعجبني وجهه الجميل وشكله الوسيم،وتقاسيمه الفاتنة،أعجبني صفاء هيئته وهيبته،التي بانت عليه وهي قوية لم تكسرها أو يثنيها وجع السنين،
مع إن وجهه وملامحه يوحيان بان عمره لم يتجاوز الثلاثين عاما، رأسه كان كالنسر المحلق في السماء،وفي عينيه نظرات ثاقبة اخترقت أنظار المارة،وقفت أمامه،ودون أدنى خجل دعوته لتناول الشاي في بيتي، لم يرفض أو يقبل إلا أن السكوت دائما هي علامة الرضا .
سارت بنا السيارة ووقفت أمام الدار،استقبلتني أمي وأخوتي بالفرح والتبريك، تركته في غرفة الضيوف،أوصيتهم بان لا يقتربوا منه، كي لا يحرجوه بأسئلتهم الفضولية أو تصرفاتهم الصبيانية، وبسرعة مذهلة،غيرت ملابسي واستعديت أيما استعداد كأي عروس في ليل زفافها،وخرجت له،جلست بجانبه بلهفة،كلمته...،رفض الكلام، قلت له ونار الشوق تلتهمني للخلود بين ذراعيه .
- قل شيئا ... لا تصمت .. أن أجمل ما في الجلوس هو النقاش .. ناقشني ؟؟
ببردوة أعصاب لم أعهدها في رجل من قبل، أبى الكلام أو حتى أن يمد يده لجسدي الذي كان نصفه متكأ عليه،دسست في جيبه حبه وردية علها تنشط فحولته،إلا أن الأمر لم ينجح فضل الصمت والتأمل في وجهي.
تشابكت ايدينا مع بعضها كأي عشيقين ،وهمنا نركض في الزوراء، تعثرت قدمانا من الركض والضحك،جلسنا تحت ظلال شجرة الأياس لنلتقط أنفاسنا، رمقني بنظرة لم أر مثلها من قبل، انسابت يده تعانق يدي،قلت له .
- ما اسمك؟؟
- ................ !!!!!! لم يجب
سقطت دموعي،مسحتها بكفي وقلت له مجددا
- إذ لم تجب ما اسمك .. فقل لي هل أحببتني؟؟؟
-................................!!!!! لم يجب
دنوت منه،حتى عانق فخذي ساقيه، وبعصبية قلت له
- أرجوك اجب .. وألا اجبني بالتقبيل ؟؟؟
وما أن اقترب مني ولامست شفتاه شفتي،...... راح كالحصان يجري ..يجري .. في ثنيا جسدي .....تتسارع الشهقات ....ويتعالى اللهاث ....وتتصاعد اللذة ...يحتويني بكل جسده،فأحتضن منتصف جسده بيدي ومؤخرته بقدمي .....تتعالى الآهات .....يخفت اللهاث مع ارتواء الظمأ .........دم ينسل من جسدي خلسة ..أفيق،لازلت في المكان ذاته،غرفة الاستقبال وأنا عارية الملم شهوتي ولهاثي والدم يغطيني ووجع يجتاحني جراء الجروح التي وزعت على جسدي الذي بدا كساحة معركة أو حرب انتهت للتو، أما هو فقد كان جالسا أمامي وهو بكامل أناقته، ينظر لي باستعلاء، ضحكت رغم الألم .. وعم صوتي المكان،.
- يا له من خيال خصب !!! إن للإنسان طاقة للخيال هائلة! .. ها ماذا تقول أليس الإنسان خيالي لأبعد الحدود ..؟؟.
- ........................... !!! لم يجب .
- هل تبقى هكذا .. صامتا دونما أي كلمة أو حركة ؟؟؟
- ................................................!!!!! لم يجب.
وكالبركان في ثورة بربرية ، والغضب ينسف أخر لوحات اتزاني .
- تكلم وإلا هشمت راسك أيها التمثال العنيد ... يال حضي التعس لم أحب في حياتي ولما أحببت .. أحببت تمثالا ..
أجهشت بالبكاء، وأحسست باني أخطأت فقلت له وأنا امسح على كتفيه مخلفات لهاثي .
- أستميحك عذرا ... الآن عرفت بان الإنسان بأمس الحاجة لتمثال .. يتكلم معه يسمعه ويواسيه .. لان الإنسان لا يجد حلول همومه إلا بالصمت ...تمثال يكون وفيا للبوح ويعصمك عن الجهر بسرك للآخرين ..
عندها حملته، ووضعته في إحدى زوايا غرفة الاستقبال،التي أصبحت يوما بعد يوم، محرابا للبوح ومقبرة للسر وشاهدة للكتمان .
شتاء2000